في أعقاب أزمة ملفات فيسبوك The Facebook Files وقيام فرانسيس هوغن بالكشف عن المشاكل الداخلية للشركة، أصبحت كلمة “خوارزمية” مرادفة لكلمات أخرى مثل “خطاب الكراهية” و"الأخبار الكاذبة" و"نظريات المؤامرة". ويتحدث الناس عن “الخوارزمية” وكأنها كائن يعرف كل شيء ويتمتع بالقدرة التامة على التحكم في جميع المنصات، ولا يعرفون عنها إلا أقل القليل ولا تخضع لسيطرتهم، فهم مجرد ضحايا لها.

فما الذي وصل بنا إلى هذا الأمر؟

لكي نفهم سبب تأثير الخوارزميات الاجتماعية على مجتمعنا، ينبغي النظر إلى البداية.

محتوى كبير جدًا، ومساحة غير كافية

تعاني جميع منصات وسائل التواصل الاجتماعي من مشكلتين كبيرتين هما:

تعد المشكلة الثانية في غاية الأهمية، وذلك لأن عدد المستخدمين الجدد الذين تجذبهم لا يعني شيئًا إذا كانوا لا يستمرون في استخدام المنصة. بالنسبة لكثير من المنصات، يعني ذلك ضرورة جذب المستخدمين بعرض أشياء تجعلهم يشعرون بقدرتهم على التواصل مع أصدقائهم رقميًا مثل: الحالة والتحديثات والصور والتعليقات و"تسجيلات الإعجاب"، وغير ذلك من الوسائط القائمة على التفاعل. وبالرجوع إلى أواخر العقد الأول من القرن الحالي، نجد أن كل ذلك تم تنظيمه في صورة موجز زمني، حيث ترى ما حدث مؤخرًا في أعلى الموجز، ثم ترجع للوراء زمنيًا بينما تتصفح الموجز لأسفل.

حدث هذا حين كانت رغبات واحتياجات المستخدمين في أعلى أولويات المنتج.

أعتقد أن منصات التواصل الاجتماعي في أيامها الأولى بدأت بنوايا حسنة، فقد كانت تهدف إلى مساعدة الأصدقاء وأفراد العائلة على التواصل وإعطاء الفرصة لكل شخص للتعبير عن نفسه (وتطور الأمر كثيرًا بعد ذلك). لكن المشكلة تحدث (وتتكرر تلقائيًا) حين تصبح رغبات واحتياجات المستخدمين في المرتبة الثانية بعد رغبات واحتياجات المنصة نفسها، أعني المؤسسين والفريق التنفيذي، والمستثمرين في المقام الأول.

بدايةً من منتصف العقد الأول من القرن الحالي ومرورًا بالعقد الثاني، قامت هذه المنصات بإضافة الكثير والكثير جدًا من الوظائف، والتي لم تكن بالضرورة قائمة على مصالح المستخدمين العليا، لكنها كانت تهدف إلى مساعدة المنصة على إثبات قدرتها على جذب اهتمام المستخدمين مجددًا. وفجأة، لم تعُد ترى فقط منشورات أصدقائك، بل أصبحت ترى منشورات أصدقائهم (وهم ليسوا أصدقاءك) بالإضافة إلى تسجيلات إعجابهم. ثم أصبحت ترى منشورات صفحات العلامات التجارية والمشاهير والمؤثرين (بعد استدراجك لتسجيل الإعجاب بصفحاتهم). ثم ظهرت لك اقتراحات بالأشخاص الذين قد ترغب في صداقتهم أو متابعتهم، وإن لم تقابلهم أو ترهم أو تسمع بهم من قبل.

كل هذه الميزات نتج عنها ظهور محتوى ضخم، وتفاعل مبالغ فيه، حيث تظهر صفحة الموجز الخاصة بكل مستخدم للجميع، وأصبح المستخدم في حيرة من المحتوى الذي ينبغي الاهتمام به، ولم تعد المنصة على معرفة بما يريده المستخدم.

وفي غضون ذلك، ظهرت الخوارزميات الاجتماعية.

ظهور خلاصات الأخبار الخوارزمية

لقد كانت خوارزميات التواصل الاجتماعي هي الحل لمشكلة “المحتوى الضخم”. وبينما أصبح موجز الأخبار أكثر ازدحامًا، اتخذت شبكات التواصل الاجتماعي قرارًا بإنشاء خوارزمية لتحديد ما ينبغي أن يظهر للمستخدمين وما لا يظهر, من بين جميع الخيارات الممكنة. وكان ذلك حلاً جيدًا للمشكلة، من الناحية النظرية.

ولكن لماذا أصبح المخطط الزمني للمستخدم مليئًا بالمحتوى غير المهم في المقام الأول؟

من المؤسف أن تكون الإجابة هي: أن هذه المنتجات لم تعد مصممة لتلبية رغبات واحتياجات المستخدم. بل تمت إضافة ميزات (الكثير والكثير من الميزات) بهدف أساسي واحد لا يتغير هو: جذب المستخدمين لاستخدام المنصة وكسب تفاعلهم باستمرار. وقد نجح الأمر على المدى القصير، إلى أن ظهرت المشكلة، وأصبح لدى المستخدمين محتوى ضخم يصعب متابعته وتساءل المستخدمون عن سبب الفجوة بينهم وبين أصدقائهم وعائلاتهم، واتخذت منصات التواصل الاجتماعي موقفًا أخلاقيًا حيال تلك المشكلة وكان لسان حالها يقول، “إننا نستمع لآرائكم، لذا أنشأنا خوارزمية لكي يظهر لكم المحتوى الأكثر أهمية بالنسبة لكم.”

لقد أوجدوا المشكلة، ثم أوجدوا الحل.

تحويل الخوارزميات إلى سلاح

منذ انتقال منصات التواصل الاجتماعي من الموجز الزمني إلى موجز الأخبار الخوارزمي، عرفنا نتائج القرارات القائمة على الخوارزميات. فالخوارزميات يمكن التلاعب بها وإساءة استخدامها لدرجة أنه عند تسجيل الكثير من الأشخاص إعجابهم بشيء ما، سيظهر لك هذا الشيء بغض النظر عن إعجابك به أم لا. وبهذه الطريقة ينطلق المحتوى خارجًا عن السيطرة (وتنتشر لغة الكراهية، وتصبح الانتخابات محل شكوك).

على سبيل المثال:

وقد عبّر عن ذلك بشكل واضح “مايك تونكيلويتز” المدير الهندسي، حين تحدث عن فوائد موجز الأخبار الخوارزمي على فيسبوك في عام 2011 قائلاً: “ستظهر الأخبار الأكثر إثارة للاهتمام في أعلى الموجز”.

لكننا نعرف الآن: ليس هذا شيئًا جيدًا دائمًا.

فليست الأشياء الأكثر “إثارة للاهتمام” هي التي تظهر أعلى موجز الأخبار (حيث تتضمن عبارة “إثارة للاهتمام” معنى “ذات قيمة”)، لكنها تلك الأشياء الأكثر إثارة للعواطف، والخلافات. تلك التي تحصد أكبر عدد من تسجيلات الإعجاب والتعليقات والمشاركات، والتي يُرجح أن تثير النقاش والنزاع والغضب. إما هذا، أو المحتوى الذي تريد إحدى العلامات التجارية إنفاق أكبر مبلغ على رعايته، وكل هذا يكشف عن حقيقة مزعجة: إنك كمستخدم لهذه المنصات، مُجبر على رؤية المحتوى الذي تختاره لك الخوارزمية والعلامات التجارية، وليس لك أي حقوق. وتُنتهك خصوصية “موجز الأخبار الخاص بك” بشكل يومي. واستمر هذا الانتهاك طويلاً، لدرجة أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قد أحبوه، أو على الأقل اعتادوا عليه، في صورة حديثة لمتلازمة ستوكهولم.

ونحن نرى ذلك مشكلة كبيرة.

الموجز الزمني في هالوآب

قام شريكي المؤسس “مايكل دونوهيو” بالاشتراك معي بإنشاء هالوآب في 2019.

وكنا منزعجَين من التغييرات التي حدثت لوسائل التواصل الاجتماعي، والتغيّر الذي حدث في العالم تبعًا لذلك. فالأداة التي تم إنشاؤها في الأصل ليتواصل الناس من خلالها ويقيمون علاقات جديدة، أصبحت مرادفًا لسوق رقمي. فبدلاً من استخدامها لمتابعة أخبار أصدقائك، أو إجراء محادثات مفيدة، صار يتم خداعك وتحفيزك وتشتيت انتباهك بشكل يدفعك إلى المساهمة في زيادة أرباح إعلاناتهم، وتم التلاعب بعواطفك على نطاق واسع، وامتلأ موجز الأخبار على صفحتك بمحتوى لم توافق أصلاً على رؤيته.

بما أن موجز الأخبار الخوارزمي قد أصبح وضعًا قائمًا لدى جميع الشبكات الاجتماعية الكبرى، فما هو البديل؟

لقد بدأنا العمل على تطوير هالوآب لإيماننا بالقيمة الهائلة التي تنطوي عليها إعادة حرية الاختيار للمستخدمين، وإنشاء بيئة تتمتع فيها العلاقات الحقيقية بالخصوصية.

وتتلخص مهمتنا في تصميم منتج تخضع فيه الأدوات لاختيار كل مستخدم، ولا تخضع لدوائر التفاعل التي يدمنها المستخدمون وتتخفّى في صورة “قيمة مضافة”.

إن كل هذه الأشياء مجتمعة تصل بنا إلى تعريف جديد ومختلف تمامًا لمعنى “موجز الأخبار الشخصي”. فيصبح الموجز زمنيًا ومصممًا بشكل حصري لتحقيق أهم شيء لديك كمستخدم وهو: حماية علاقاتك على الإنترنت التي تجمعك بالأصدقاء الحقيقين وأفراد العائلة، في خصوصية تامة.

لهذا نصف هالوآب بأنه أول شبكة للعلاقات الحقيقية حيث لا تتدخل أي خوارزمية بينك وبين أصدقائك وأفراد عائلتك.